بسم الله الرحمن الرحيم
باب في الترغيب في النكاح
فقد نكح علي رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة عليها السلام بسبع ليال ويقال إن الحسن بن علي كان منكاحا حتى نكح زيادة على مائتي امرأة وكان ربما عقد على أربع في وقت واحد وربما طلق أربعا في وقت واحد واستبدل بهن. وقد قال صلى الله عليه وسلم للحسن (أشبهت خلقي وخلقي.) وقال صلى الله عليه وسلم (حسن مني وحسين من علي) فقال إن كثرة نكاحه أحد ما أشبه به خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتزوج المغيرة بن شعبة بثمانين امرأة وكان في الصحابة من له الثلاث والأربع ومن كان له اثنتان لا يحصى ومهما كان الباعث معلوما فينبغي أن يكون العلاج بقدر العلة فالمراد تسكين النفس فلينظر إليه في الكثرة والقلة الفائدة الثالثة ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة إراحة للقلب وتقوية له على العبادة فإن النفس ملول وهي عن الحق نفور لأنه على خلاف طبعها فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروح القلب وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات، ولذلك قال الله تعالى (ليسكن إليها).
وقال علي رضي الله عنه (روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت) وفي الخبر (على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلو فيها مطعمه ومشربه فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات) ومثله بلفظ آخر (لا يكون العاقل ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم) وقال صلى الله عليه وسلم (لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى) والشرة الجد والمكابدة بحدة وقوة وذلك في ابتداء الإرادة والفترة الوقوف للاستراحة.
وكان أبو الدرداء يقول إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو لأتقوى بذلك فيما بعد على الحق وفي بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال شكوت إلى جبريل عليه السلام ضعفي عن الوقاع فدلني على الهريسة) إلا الاستعداد للاستراحة ولا يمكن تعليله بدفع الشهوة فإنه استثارة للشهوة ومن عدم الشهوة عدم الأكثر من هذا الأنس وقال صلى الله عليه وسلم ( حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة) فهذه أيضا فائدة لا ينكرها من جرب إتعاب نفسه في الأفكار والأذكار وصنوف الأعمال وهي خارجة عن الفائدتين السابقتين حتى إنها تطرد في حق الممسوح ومن لا شهوة له إلا أن هذه الفائدة تجعل للنكاح فضيلة بالإضافة إلى هذه النية وقل من يقصد بالنكاح ذلك وأما قصد الولد وقصد دفع الشهوة وأمثالها فهو مما يكثر.
ثم رب شخص يستأنس بالنظر إلى الماء الجاري والخضرة وأمثالها ولا يحتاج إلى ترويح النفس بمحادثة النساء وملاعبتهن فيختلف هذا باختلاف الأحوال والأشخاص فليتنبه له الفائدة الرابعة تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكفل بشغل الطبخ والكنس والفرش وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب المعيشة فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته ولم يتفرغ للعلم والعمل فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين بهذه الطريق واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوشات للقلب ومنغصات للعيش ولذلك قال أبو سليمان الداراني رحمه الله (الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فإنها تفرغك للآخرة وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعا).
وقال محمد بن كعب القرظي في معنى قوله تعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) قال (المرأة الصالحة). وقال صلى الله عليه وسلم (ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة صالحة تعينه على آخرته.) فانظر كيف جمع بينها وبين الذكر والشكر وفي بعض التفاسير في قوله تعالى (فلنحيينه حياة طيبة) قال الزوجة الصالحة.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول (ما أعطى العبد بعد الإيمان بالله خيرا من امرأة صالحة وإن منهن غنما لا يحذى منه ومنهن غلالا يفدي منه) وقوله لا يحذى أن يعتاض عنه بعطاء، وقال صلى الله عليه وسلم (فضلت على آدم بخصلتين كانت زوجته عونا له على المعصية وأزواجي أعوان لي على الطاعة، وكان شيطانه كافرا وشيطاني مسلم لا يأمر إلا بخير) فعد معاونتها على الطاعة فضيلة فهذه أيضا من الفوائد التي يقصدها الصالحون إلا أنها تخص بعض الأشخاص الذين لا كافل لهم ولا مدبر ولا تدعو إلى امرأتين بل الجمع ربما ينغص المعيشة ويضطرب به أمور المنزل ويدخل في هذه الفائدة قصد الاستكثار بعشيرتها وما يحصل من القوة بسبب تداخل العشائر فإن ذلك مما يحتاج إليه في دفع الشرور وطلب السلامة ولذلك قيل ذل من لا ناصر له ومن وجد من يدفع عنه الشرور سلم حاله وفرغ قلبه للعبادة فإن الذل مشوش للقلب والعز بالكثرة دافع بالذل.
الفائدة الخامسة مجاهدة النفس، ورياضتها بالرعاية، والولاية، والقيام بحقوق الأهل، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن، وإرشادهن إلى طريق الدين، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، والقيام بتربيته لأولاده.
فكل هذه أعمال عظيمة الفضل فإنها رعاية وولاية والأهل والولد رعية وفضل الرعاية عظيم إنما يحترز منها من يحترز خيفة من القصور عن القيام بحقها وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم (يوم من وال عادل أفضل من عبادة سبعين سنة) ثم قال (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.) وليس من اشتغل بإصلاح نفسه وغيره كمن اشتغل بإصلاح نفسه فقط ولا من صبر على الأذى كمن رفه نفسه وأراحها فمقاساة الأهل والولد بمنزلة الجهاد في سبيل الله.
ولذلك قال بشر فضل على أحمد بن حنبل بثلاث إحداها أنه يطلب الحلال لنفسه ولغيره وقد قال صلى الله عليه وسلم (ما أنفقه الرجل على أهله فهو صدقة وإن الرجل ليؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته) وقال بعضهم لبعض العلماء من كل عمل أعطاني الله نصيبا حتى ذكر الحج والجهاد وغيرهما فقال له أين أنت من عمل الأبدان قال وما هو قال كسب الحلال والنفقة على العيال.