بسم الله الرحمن الرحيم
وأما الفدية فتجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما لكل يوم مد حنطة لمسكين واحد مع القضاء والشيخ الهرم إذا لم يصم تصدق عن كل يوم مدا وأما السنن فست تأخير السحور وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة وترك السواك بعد الزوال والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائله في الزكاة ومدارسة القرآن والاعتكاف في المسجد لا سيما في العشر الأخير فهو عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش وشد المئزر ودأب وأدأب أهله حديث كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش الحديث متفق عليه من حديث عائشة بلفظ أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر أي أداموا النصب في العبادة إذ فيها ليلة القدر والأغلب أنها في أوتارها وأشبه الأوتار ليلة إحدى وثلاث وخمس وسبع والتتابع في هذا الاعتكاف أولى فإن نذر اعتكافا متتابعا أو نواه انقطع تتابعه بالخروج منغير ضرورة كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع وله أن يتوضأ في البيت ولا ينبغي أن يعرج على شغل آخر كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يسأل عن المريض إلا مارا حديث كان لا يخرج إلا لحاجة ولا يسأل عن المريض إلا مارا متفق على الشطر الأول من حديث عائشة والشطر الثاني رواه أبو داود بنحوه بسند لين ويقطع التتابع بالجماع ولا ينقطع بالتقبيل ولا بأس في المسجد بالطيب وعقد النكاح وبالأكل والنوم وغسل اليد في الطست فكل ذلك قد يحتاج إليه في التتابع ولا ينقطع التتابع بخروج بعض بدنه كان صلى الله عليه وسلم يدني رأسه فترجله عائشة رضي الله عنها وهي في الحجرة حديث كان يدني رأسه لعائشة متفق عليه من حديثها ومهما خرج المعتكف لقضاء حاجته فإذا عاد ينبغي أن يستأنف النية إلا إذا كان قد نوى أولا عشرة أيام مثلا والأفضل مع ذلك التجديد الفصل الثاني في أسرار الصوم وشروطه الباطنة اعلم أن الصوم ثلاث درجات صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص وأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام وما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وأما صوم الخصوص وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور الأول غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفا من الله آتاه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته في قلبه حديث النظرة سهم مسموم من سهام إبليس الحديث أخرجه الحاكم وصحح إسناده من حديث حذيفة وروى جابر عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة حديث جابر عن أنس خمس يفطرن الصائم الحديث أخرجه الأزدي في الضعفاء من رواية جابان عن أنس وقوله جابر تصحيف قال أبو حاتم الرازي هذا كذاب الثاني حفظ اللسان عن الهذبان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان وقد قال سفيان الغيبة تفسد الصوم رواه بشر بن الحارث عنه وروى ليث عن مجاهد خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب وقال صلى الله عليه وسلم إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم حديث الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما الحديث أخرجاه من حديث أبي هريرة وجاء في الخبر أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذناه في الإفطار فأرسل إليهما قدحا وقال صلى الله عليه وسلم قل لهماقيئا فيه ما أكلتما فقاءت إحداهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضا وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه فعجب الناس من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم هتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله تعالى عليهما قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم حديث إن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث في الغيبة للصائم أخرجه أحمد من حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث بسند فيه مجهول الثالث كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى سماعون للكذب أكالون للسحت وقال عز وجل لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعالى إنكم إذا مثلهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم المغتاب والمستمع شريكان في لإثم حديث المغتاب والمستمع شريكان في الإثم غريب وللطبراني من حديث ابن عمر بسند ضعيف نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة وعن الاستماع إلى الغيبة الرابع كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصرا ويهدم مصرا فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه فالصوم لتقليله وتارك الاستكثار من الدواء خوفا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيها والحرام سم مهلك للدين والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره وقصد الصوم تقليله وقد قال صلى الله عليه وسلم كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش حديث كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة فقيل هو الذي يفطر على الحرام وقيل هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام وقيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام الخامس أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى وإذا دفعت المعدة من ضحوة نهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلا فلم ينتفع بصومه