بسم الله الرحمن الرحيم
باب الترغيب في النكاح الجزء الثاني
وكان بعض الصحابة قد انقطع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه ويبيت عنده لحاجة إن طرقته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تتزوج) فقال يا رسول الله (إني فقير لا شيء لي وأنقطع عن خدمتك) فسكت ثم عاد ثانيا فأعاد الجواب ثم تفكر الصحابي وقال والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم بما يصلحني في دنياي وآخرتي وما يقربني إلى الله مني ولئن قال لي الثالثة لأفعلن فقال له الثالثة (ألا تتزوج) قال فقلت يا رسول الله (زوجني) قال (اذهب إلى بني فلان فقل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني فتاتكم) قال فقلت (يا رسول الله لا شيء لي) فقال لأصحابه (اجمعوا لأخيكم وزن نواة من ذهب) فجمعوا له فذهبوا به إلى القوم فأنكحوه فقال له (أولم) وجمعوا له من الأصحاب شاة للوليمة. وهذا التكرير يدل على فضل في نفس النكاح ويحتمل أنه توسم فيه الحاجة إلى النكاح.
وحكى أن بعض العباد في الأمم السالفة فاق أهل زمانه في العبادة فذكر لنبي زمانه حسن عبادته فقال نعم الرجل هو لولا أنه تارك لشيء من السنة فاغتم العابد لما سمع ذلك فسأل النبي عن ذلك فقال أنت تارك للتزويج فقال لست أحرمه ولكني فقير وأنا عيال على الناس قال أنا أزوجك ابنتي فزوجه النبي عليه السلام ابنته.
وقال بشر بن الحرث فضل على أحمد بن حنبل بثلاث بطلب الحلال لنفسه ولغيره وأنا أطلبه لنفسي فقط ولاتساعه في النكاح وضيقي عنه ولأنه نصب إماما للعامة. ويقال إن أحمد رحمه الله تزوج في اليوم الثاني لوفاة أم ولده عبد الله وقال أكره أن أبيت عزبا وأما بشر فإنه لما قيل له إن الناس يتكلمون فيك لتركك النكاح ويقولون هو تارك للسنة فقال قولوا لهم هو مشغول بالفرض عن السنة وعوتب مرة أخرى فقال ما يمنعني من التزويج إلا قوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فذكر ذلك لأحمد فقال وأين مثل بشر إنه قعد على مثل حد السنان ومع ذلك فقد روي انه رؤي في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رفعت منازلي في الجنة وأشرف بي على مقامات الأنبياء ولم أبلغ منازل المتأهلين وفي رواية قال لي ما كنت أحب أن تلقاني عزبا قال فقلنا له ما فعل أبو نصر التمار فقال رفع فوقي بسبعين درجة قلنا بماذا فقد كنا نراك فوقه قال بصبره على بنياته والعيال.
وقال سفيان بن عيينة كثرة النساء ليست من الدنيا لأن عليا رضي الله عنه كان أزهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له أربع نسوة وسبع عشرة سرية فالنكاح سنة ماضية وخلق من أخلاق الأنبياء وقال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله طوبى لك فقد تفرغت للعبادة بالعزوبة فقال لروعة منك بسبب العيال أفضل من جميع ما أنا فيه قال فما الذي يمنعك من النكاح فقال مالي حاجة في امرأة وما أريد أن أغر امرأة بنفسي.
وقد قيل فضل المتأهل على العزب كفضل المجاهد على القاعد وركعة من متأهل افضل من سبعين ركعة من عزب وأما ما جاء في الترهيب عن النكاح فقد قال صلى الله عليه وسلم (خير الناس بعد المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد). وقال صلى الله عليه وسلم (يأتي على الناس زمان يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأبويه وولده يعيرونه بالفقر ويكلفونه ما لا يطيق فيدخل المداخل التي يذهب فيها دينه فيهلك.) وفي الخبر قلة العيال أحد اليسارين وكثرتهم أحد الفقرين.