بسم الله الرحمن الرحيم
يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق، وقال علي أيضا رضي الله عنه: العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه، وقال رضي لله عنه نظماً:
ما الفخرُ إلا لأهلِ العِلْم إنَّهـــم على الهدى لمن استهدى أدلاَّءُ
وقَدْرُ كلِّ امرىءٍ ما كان يُحْـسِنُه والجَاهِلُون لأهْل العلم أعَداءُ
ففُزْ بعلمٍ تَعِشْ حياً به أبــــداً النَّاسَ موتى وأهلُ العِلْمِ أحْياءُ
وقال أبو الأسود: ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: خُيِّر سليمان بن داود عليهما السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه.
وسئل ابن المبارك: من الناس؟ فقال: العلماء قيل: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قيل: فمن السفلة؟ قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين ولم يجعل غير العالم من الناس لأن الخاصية التي يتميز بها الناس عن سائر البهائم هو العلم؛ فالإنسان إنسان بما هو شريف لأجله، وليس ذلك بقوة شخصه، فإن الجمل أقوى منه، ولا بعظمه فإن الفيل أعظم منه، ولا بشجاعته فإن السبع أشجع منه، ولا بأكله فإن الثور أوسع بطنا منه، ولا ليجامع فإن أخس العصافير أقوى على السفاد منه، بل لم يخلق إلا للعلم. وقال بعض العلماء: ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم، وأي شيء فاته من أدرك العلم. وقال عليه الصلاة والسلام: (من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أوتي خيرا منه فقد حقر ما عظم الله تعالى).
وقال فتح الموصلي رحمه الله: أليس المريض إذا منع الطعام والشراب والدواء يموت؟ قالوا: بلى، قال: كذلك القلب إذا منع عنه الحكمة والعلم ثلاثة أيام يموت. ولقد صدق فإن غذاء القلب العلم والحكمة وبهما حياته، كما أن غذاء الجسد الطعام، ومن فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم ولكنه لا يشعر به؛ إذ حب الدنيا وشغله بها أبطل إحساسه؛ كما أن غلبة الخوف قد تبطل ألم الجراح في الحال وإن كان واقعا؛ فإذا حط الموت عنه أعباء الدنيا أحسَّ بهلاكه وتحسر تحسرا عظيما ثم لا ينفعه وذلك كإحساس الآمن خوفه والمفيق من سكره بما أصابه من الجراحات في حالة السكر أو الخوف، فنعوذ بالله من يوم كشف الغطاء فإن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.
وقال الحسن رحمه الله: يوزن مداد العلماء بدم الشهداء فيرجح مداد العلماء بدم الشهداء. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: عليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه موت رواته، فوالذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم، فإن أحدا لم يولد عالما وإنما العلم بالتعلم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها. وكذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه وأحمد بن حنبل رحمه الله. وقال الحسن في قوله تعالى: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة﴾ (سورة البقرة: الآية 201. سورة التوبة: الآية 122) إن الحسنة في الدنيا هي العلم والعبادة وفي الآخرة هي الجنة وقيل لبعض الحكماء أي الأشياء تقتني قال الأشياء التي إذا غرقت سفينتك سبحت معك يعني العلم وقيل أراد بغرق السفينة هلاك بدنه بالموت وقال بعضهم من اتخذ الحكمة لجاما اتخذه الناس إماما ومن عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.